قائمة المنشورات


 المنشورات


 العودة إلى المنتدى

منتديات التميز السلفية    

فتح رب البرية في بيان درجة حديث النصيحة السرية

إبراهيم بن خالد التبسي | تم النشر بتاريخ الجمعة 5 مايو 2023 - 22:00 | 103 مشاهدة

 بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وحده لا شريك له، وصلَّى الله على نبيِّنا الكريم، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

أمَّابعدُ

فهذا بحثٌ في درجة حديث النَّصيحة السِّرية، مُستلٌّ مِن ردِّي على الغربانيِّ صاحب شبكة العلوم السَّلفية سابقًا، فأقول مستعينًا بالله.

الحديث جاء عن شريح بن عبيدٍ الحضرمي قال: "جَلَدَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ صَاحِبَ دَارِيَا حِينَ فُتِحَتْ، فَأَغْلَظَ لَهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ الْقَوْلَ حَتَّى غَضِبَ عِيَاضٌ، ثُمَّ مَكَثَ لَيَالِيَ فَأَتَاهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ هِشَامٌ لِعِيَاضٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يَقُولُ: (إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا أَشَدَّهُمْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا لِلنَّاسِ). فَقَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ: يَا هِشَامُ بْنَ حَكِيمٍ قَدْ سَمِعْنَا مَا سَمِعْتَ وَرَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ أَوَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ) وَإِنَّكَ يَا هِشَامُ لَأَنْتَ الْجَرِيءُ،إِذْ تَجْتَرِئُ عَلَى سُلْطَانِ اللَّهِ، فَهَلَّا خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ السُّلْطَانُ، فَتَكُونَ قَتِيلَ سُلْطَانِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. أخرجه أحمد(15408) ط/بيت الأفكار الدولية، وابن أبي عاصمٍ في "السُّنة" (1096) ط/المكتب الإسلامي، والطبراني في "مسند الشاميين"(977) ط/دار الرسالة، وفي إسناده بقية بن الوليد مدلسٌ وقد عنعن، لكنه صرَّح بالتحديث عند ابن أبي عاصمٍ. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ط/مكتبة القدسي تحت حديث (9161): "قلت: في الصحيح طرفٌ منه مِن حديث هشامٍ فقط. رواه أحمد، ورجاله ثقاتٌ إلا أني لم أجد لشريحٍ مِن عياضٍ وهشامٍ سماعًا وإن كان تابعيًا". اهـ ووصله ابن أبي عاصمٍ في "السُّنة" (1097)، مِن طريق محمد بن إسماعيل بن عياشٍ، وهو ضعيفٌ يعتبر به، وقد خالفه عبد الحميد بن إبراهيم، عند ابن أبي عاصمٍ "السُّنة" وفي"الآحاد والمثاني" فرواه عن عبد الله بن سالمٍ عن الزبيدي عن الفضيل بن فضالة عن ابن عائذٍ عن جبير بن نفيرٍ عن عياض بن غَنمٍ به، ورواية إسماعيل أرجح. وأخرجه أبو نعيمٍ في "معرفة الصحابة" كما في "معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة" ط/الدار الأثرية بالجزائر، للشيخ عبد السلام بن برجسٍ- رحمه الله- (ص59) مِن طريق عبد الوهاب بن الضحاك، عن إسماعيل بن عياشٍ، وعبد الوهاب قال عنه الحافظ في "التقريب" (4257 ص502): "متروكٌ كذبه أبو حاتمٍ". اهـ وقال أبو نعيم عقبه "رواه بقية عن صفوان بن عمرٍو عن شريحٍ عن جبيرٍ".اهـ وقال الشيخ عبد السلام: "وبقية قد صرَّح بالتحديث عند ابن أبي عاصمٍ". اهـ قلت إنما صرَّح بالتحديث في الطريق المنقطعة، وقد خالفه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحِمصي، وهو ثقةٌ، فرواه منقطعا كما مَر عند أحمد، وقد رواه بقية على الصواب، عند ابن أبي عاصمٍ في "السُّنة" والطبراني في "مسند الشاميين" والعَجب مِنَ الشيخ عبد السلام، كيف جَزم بسماع شريحٍ لهذا الحديث مِن جبير بن نفيرٍ. وللحديث شاهدٌ أخرجه الحاكم (5269) ط/دار الكتب العلمية، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". اهـ ومِن طريقه البيهقي(16150)ط/دار المعرفة والطبراني في"الكبير"(1007)، وفي إسناده إسحاق بن إبراهيم بن زبريقٍ، ضعيفٌ يصلح في الشواهد والمتابعات، وعمرو بن الحارث الحِمصي مجهول حالٍ. وفي إسناد الطبراني عمرو بن إسحاق مجهول حالٍ،وهو متابعٌ عنده بعمارة بن وثيمة المصري مجهول حالٍ، وعبد الرحمن بن معاوية العتبي مجهول حالٍ أيضًا. وبالتالي فإنَّ العلة تنحصر في إسحاق بن إبراهيم، وعمرو بن الحارث الحِمصي، وفي النفس شيءٌ مِن سماع جبير بن نفيرٍ مِن عياض بن غنمٍ- رضي الله عنه- فقد أفادني أخونا الفاضل العربي البسكري أنه سَمع مِن معاذ بن جبلٍ- رضي الله عنه- بواسطة رجلٍ وهو قريب الوفاة مِن عياض بن غنمٍ توفي سنة سبع عشرة وأخرجه ابن أبي عاصمٍ في "السُّنة"(1098)، وفي "الآحاد والمثاني" (872) ط/دار الراية، وفي إسناده عبد الحميد بن إبراهيم الحِمصي، شديد الضعف. وأصل الحديث في مسلمٍ- نووي-(ج16-2613)، مِن طرقٍ عن عروة بن الزبير، عن هشام بن حكيمٍ-رضي الله عنه- مرفوعًا وليس فيه قصته مع عياض بن غنمٍ- رضي الله عنه- والزيادة المذكورة (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ) الحديث. وزاد أحمد(15411)، والطبراني في "الكبير"(440) مِن طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد ابن أخي الزهري عن عمه، أنَّ عياض بن غنمٍ كان حاضرًا مع هشام بن حكيمٍ- رضي الله عنهم-  حينما أنْكر على والي حِمص عمير بن سعدٍ، ويشهد لهذه الزيادة، ما أخرجه أحمد (15409)، عن عروة بلاغًا، وفيه أنَّ عياض بن غنمٍ أنكر على والي حِمص أيضًا. ويشترط لقبول هذه الزيادة، أن تكون مِن طريقٍ أقوى أو مساويةٍ لمن روى أصْل الحديث، كما قرَّر ذلك الإمام الوادعي- رحمه الله- في "تحفة المجيب" (ص152). وأخرجه أحمد (15410)، مِن طريق شعيبٍ عن الزهري، كرواية مسلمٍ لكن خالف في كون أمير حِمص عمير بن سعدٍ، فذكر أنه عياض بن غنمٍ، وخالفه يونس بن يزيد الأيلي عند مسلمٍ، ويعقوب بن إبراهيم عند أحمد، وجاء مِن طرقٍ عن هشام بن عروة عن أبيه، عند مسلمٍ، وليس فيه ما ذُكر في رواية شعيبٍ. نعم قد تابعه معاوية بن يحيى عند الطبراني في "الكبير"(441)، وهو صدوقٌ له أوهامٌ كما في "التقريب" (6773 ص763)، وهذه المتابعة مِن طريق عبد الله بن صالحٍ ضعيفٌ يصلح في الشواهد والمتابعات، وقد اضطرب فيه فرواه في هذا الموضع عن الهقل بن زيادٍ، عن معاوية بن يحيى به، ورواه أيضا عند الطبراني في "الكبير" (437)، عن الليث بن سعدٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه بنحو رواية مسلمٍ. والحاصل أنَّ هذه الرواية لا تثبت والله تعالى أعلم. 

نبذة عن الكاتب